اقتصاد أمريكا القوي- وظائف مستقرة وإنفاق المستهلكين يتحدى الركود

المؤلف: ترجمة: منار الهليل08.08.2025
اقتصاد أمريكا القوي- وظائف مستقرة وإنفاق المستهلكين يتحدى الركود

الرسوم الجمركية المتزايدة، والنزاعات التجارية المحتدمة، والتضخم المستمر الذي يلتهم القوة الشرائية، وأسعار الفائدة المرتفعة التي تثقل كاهل المستثمرين والمستهلكين – هذه العوامل الاقتصادية الضاغطة لم تكن كافية لجر الاقتصاد الأمريكي إلى هاوية الركود.

ولكن كيف استطاع الاقتصاد الأمريكي الصمود في وجه هذه التحديات الجسام؟ الجواب يكمن في واقع بسيط ومباشر: أغلبية الراغبين في العمل يمتلكون وظائف مستقرة، تتيح لهم إنفاق ما يكفي لدعم وتيرة النمو الاقتصادي المطردة التي تشهدها البلاد منذ خمسة أعوام.

البيانات الصادرة يوم الخميس الماضي بشأن طلبات إعانات البطالة ومبيعات التجزئة تلقي الضوء على "الوصفة السرية" الكامنة وراء متانة الاقتصاد الأمريكي وقدرته على التكيف مع الظروف الصعبة، وذلك حسب ما أوردته "ماركت ووتش".

فقد انخفض عدد المتقدمين بطلبات للحصول على إعانات البطالة في منتصف شهر يوليو إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة أشهر، مما يشير بوضوح إلى عدم وجود زيادات كبيرة في عمليات تسريح العمال، والتي لا تزال عند أدنى مستوياتها التاريخية على الإطلاق.

ونتيجة لذلك، ظل معدل البطالة في الولايات المتحدة مستقراً نسبياً، حيث تراجع بشكل طفيف إلى 4.1% في شهر يونيو، وهو بالكاد أعلى من المستوى الذي كان عليه قبل فرض الرسوم الجمركية والذي بلغ 4.0%.

وهذا في حد ذاته إنجاز جدير بالثناء، فمعدل بطالة لا يتجاوز 4% لم يتحقق إلا لفترات محدودة للغاية خلال الخمسين عاماً الماضية.

إن استقرار سوق العمل، الذي يتميز بانخفاض معدلات تسريح العمال، يمنح غالبية الأمريكيين شعوراً بالأمان الوظيفي الكافي الذي يسمح لهم بالإنفاق بشكل طبيعي على مختلف جوانب حياتهم – من شراء السيارات الجديدة، إلى قضاء الإجازات الممتعة، وتناول الطعام في المطاعم الراقية، والعناية الشخصية، وغيرها من أوجه الإنفاق الاستهلاكي.

وإذا أخذنا إنفاق المستهلكين في الاعتبار، نجد أنه في شهر يونيو، انتعشت مبيعات التجزئة بزيادة قوية ومفاجئة. ومن المرجح أن يكون جزء من هذا الإنفاق مدفوعاً بمحاولة المستهلكين لشراء السلع قبل أن ترتفع أسعارها نتيجة للرسوم الجمركية المفروضة.

وفي هذا الصدد، صرح كبير الاقتصاديين سكوت أندرسون من "بي إم أو كابيتال ماركتس" قائلاً: "قد تكون المخاوف الناجمة عن التضخم هي المحرك الفعلي لزيادة مبيعات التجزئة في الوقت الحالي".

ومع ذلك، لا توجد دلائل قوية تشير إلى أن الإنفاق الاستهلاكي يتراجع إلى الحد الذي قد يشكل تهديداً حقيقياً للاقتصاد الأمريكي.

وفي مقابلة تلفزيونية مع بلومبرغ، صرحت ماري دالي، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، قائلة: "إننا نشهد نمواً اقتصادياً قوياً، وسوق عمل مزدهرة، ومستهلكين ينفقون ببذخ".

لكن من المؤكد أن الوضع الاقتصادي الحالي لا يخلو من التحديات والنواقص.

فعلى الرغم من انخفاض معدل البطالة، إلا أن الحصول على وظيفة أصبح أكثر صعوبة بكثير بالنسبة لأولئك الذين لا يمتلكون وظيفة بالفعل. وذلك لأن معظم الشركات تتردد في التوظيف في ظل حالة الغموض التي تكتنف تأثير الحروب التجارية على أرباحها.

كما أن جزءاً من الزيادة في الإنفاق يعكس ببساطة ارتفاع الأسعار، فالتضخم المتصاعد جعل كل شيء أكثر تكلفة.

والرسوم الجمركية ليست في طريقها إلى الزوال، بل على العكس من ذلك، ستستمر في خلق حالة من عدم اليقين وتقييد النمو الاقتصادي.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، فإن الزيادة المطردة – وإن كانت متواضعة – في الإنفاق الاستهلاكي هذا العام، قد وفرت طلباً كافياً على السلع والخدمات، مما أقنع الشركات بعدم الحاجة إلى تقليص أعداد موظفيها.

ويرتبط هذا التردد في تسريح العمال أيضاً بنقص مزمن في الأيدي العاملة يعود إلى ما قبل جائحة كوفيد-19. وقد يتفاقم الوضع في ظل مساعي إدارة ترامب لترحيل المهاجرين غير النظاميين.

لذا، يبدو أن معظم الشركات تفضل الاحتفاظ بموظفيها الحاليين في انتظار انتعاش الاقتصاد وعودة الأمور إلى نصابها.

وفي مذكرة للعملاء، صرح توماس سيمونز، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في شركة جيفريز، قائلاً: "لقد أصبح "اكتناز العمالة" اتجاهاً واسع الانتشار خلال العامين الماضيين، حيث تخشى الشركات من صعوبة العثور على عمالة مؤهلة من جميع مستويات المهارة عند تحسن الظروف الاقتصادية".

ويبدو أن مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لا تزال صحيحة وفعالة: "أفضل برنامج اجتماعي هو الوظيفة". وربما يكون أفضل علاج للأوقات الاقتصادية الصعبة أو الركود هو ارتفاع معدلات التوظيف وانخفاض عمليات التسريح – وهو بالضبط ما تنعم به الولايات المتحدة في الوقت الراهن.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة